[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] بين توجيه عبد القادر بن صالح أزيد من 250 دعوة للأحزاب
والشخصيات والمنظمات والجمعيات للمشاركة في المشاورات السياسية، وبين قول
عبد العزيز زياري، رئيس المجلس الشعبي الوطني، من أنه لا يوجد في الجزائر
أحزاب سياسية باستثناء حزب جبهة التحرير الوطني، هناك واقعان متناقضان يضع
علامة استفهام كبيرة حول حقيقة وجدوى ''الحوار'' الذي فتحته السلطة.
من
خلال رسائل الدعوات التي أرسلتها الهيئة الوطنية للمشاورات التي يرأسها
عبد القادر بن صالح بمساعدة مستشاري رئيس الجمهورية الجنرال محمد تواتي
والدكتور علي بوغاري، إلى الأحزاب والشخصيات والمنظمات، تبدو قائمة
المدعوين من الضيوف طويلة وعريضة إلى درجة أن الهيئة ستضطر من دون شك إلى
استقبالهم ''جماعات'' وليس فرادى، كما فعلت عند انطلاق المشاورات يوم 20
ماي الجاري. ويظهر هذا الأمر أن السلطة في تعاطيها مع مطالب الشارع سياسيا
واجتماعيا، تنتقل من النقيض إلى النقيض، بحيث قررت بعد سنوات طويلة من
الغلق السياسي، فتح الباب على مصراعيه ودعت إلى طاولتها ''الغث والسمين''
من الأحزاب والمنظمات، باستثناء من قررت هي غلق الباب في وجهه، على غرار
قياديي الحزب المحظور، وذلك في رسالة منها على أنها ليس، كما يقول عنها
خصومها من أنها ''تكره الحوار ولا تحب النصيحة''، بدليل أن الهيئة التي
كلفها الرئيس بتولي المشاورات أرسلت بريدها لأكثر من 250 عنوان تطلب منهم
مقترحات حول الإصلاح السياسي.
لكن هل تريد السلطة من وراء استدعاء مثل
هذه المشاورات، الاستماع حقا لأفكار ومقترحات جديدة والسعي من خلالها
للاطلاع على ما يطرح في الميدان من مطالب سياسية عند غالبية الجزائريين
بعيدا عن التقارير المزيفة التي ترد إليها؟ أم أن السلطة تريد قياس مدى
شعبيتها ليس إلا وسط الذين اختارتهم لتنجز بهم هذه المشاورات المفتوحة تحت
عنوان كبير ''الإصلاحات''؟
إن القائمة الاسمية للمدعوين لمشاورات بن
صالح تشير إلى أن الغالبية العظمى فيها من المحسوبين على السلطة، إن لم
يكونوا أذرعها المختلفة، وهو ما يعني أن ما سوف تسمعه منهم، من اقتراحات لا
يختلف في شيء عما يوجد في جعبة نظام الحكم، وبالتالي فإنه بعد كل هذا
المشوار الطويل من المشاورات ستجد نفسها في نهاية المطاف وكأنها ''حاورت
نفسها'' فقط. قد يمكن تفهم السلطة أنها لجأت إلى المنطق العددي في هذه
المشاورات، حتى لا تتهم بالإقصاء أو لكي لا تغضب شركاءها، لكن مثلما يقال
''إذا زاد الشيء عن حده انقلب إلى ضده''، فالحوار الجاد يقتضي التفريق بين
الكوميدي والتراجيدي وعدم الخلط بينهما. لقد قال وزير الداخلية إن اعتماد
أحزاب جديدة سيخضع لشروط جديدة، حتى لا يتكرر منح اعتمادات لأحزاب غير
تمثيلية، وهو موقف كان بإمكان هيئة بن صالح أن تعتمد عليه في تحديد قائمة
ضيوفها، على اعتبار أن قسما كبيرا من الأحزاب التي دعتها لا تمثل سوى
نفسها.
كان بالإمكان اقتصار هذه المشاورات على الأحزاب الفاعلة أو التي
تملك قراراتها، وبخاصة (المعارضة)، من منطلق أن الحوار جاء بسبب وجود
انسداد واحتقان سياسي وانتفاضات في الشارع، وليس لكون السلطة اشتاقت رؤية
خصومها أو شركائها السياسيين والاجتماعيين. ومادام الحال هكذا، فإن عدم
قدرة السلطة على إقناع حزب مثل الأفافاس وغيره من المعارضين بالجلوس إلى
طاولة المشاورات، هو ضربة للنتائج المنتظرة وتفويت محطة أخرى جديدة في سياق
البحث عن حل مستديم لأزمة البلاد.