سورة
التين
مكية وآياتها
ثمان آيات
بين يدي
السورة
* سورة التين مكية، وهي تعالج موضوعين بارزين
هما:
- الأول : تكريم الله جل وعلا للنوع البشري
.
- الثاني : موضوع الإيمان بالحساب والجزآء
.
* إبتدأت السورة بالقسم بالبقاع المقدسة ، والأماكن المشرفة ، التي
خصها الله تعالى بإنزال الوحي فيها على أنبيائه ورسله ، وهي "بيت المقدس " و"جبل
الطور" "ومكة المكرمة" اقسم على أن الله تعالى كرم الإنسان ، فخلقه في أجمل صورة،
وابدع شكل ، وإذا لم يشكر نعمة ربه ، فسيرد إلى أسفل دركات الجحيم [والتين والزيتون
، وطور سينين ، وهذا البلد الأمين ].
* ووبخت الكافر على إنكاره للبعث والنشور، بعد تلك الدلائل الباهرة
التي تدل على قدرة رب العالمين ، في خلقه للإنسان في أحسن شكل ، وأجمل صورة [لقد
خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين ] .
* وختمت ببيان عدل الله باثابة المؤمنين ، وعقاب الكافرين [فما
يكذبك بعد بالدين ، أليس الله بأحكم الحاكمين ] ؟ وفيها تقرير للجزاء ، وإثبات
للمعاد ، بطريق التأكيد والتحقيق ، مع التوبيخ للكفرة المكذبين بيوم الدين .
اللغة
:
[طور سينين ] هو جبل الطور الذي كلم الله عليه موسى، ومعنى سينين
المبارك
[تقويم ] تعديل يقال : قوم العود أي عدله وجعله مستقيما ، وقومه
الدهر : جعله متزنا حصيف الرأي والعقل
[ممنون ] مقطوع
[الدين ] الجزاء مأخوذ من دان بمعنى جازى ، ومنه الحديث الشريف "كما
تدين تدان " أي كما تفعل تجازى .
التفسير:
[والتين والزيتون ] هذا قسم أي أقسم بالتين والزيتون لبركتهما وعظيم
منفعتهما ، قال ابن عباس : هو تينكم الذي تاكلون ، وزيتونكم الذي تعصرون منه الزيت
وقال عكرمة : أقسم تعالى بمنابت التين والزيتون ، فان التين ينبت كثيرا بدمشق ،
والزيتون ببيت المقدس. . وهو الأظهر، ويدل عليه أن الله تعالى عطف عليه الأماكن
الشهيرة "جبل الطور" و "البلد الأمين" ، فيكون قسما بالبقاع المقدسة، التي شرفها
الله تعالى بالوحي ، والرسالات السماوية
[وطور سينين ] أي وأقسم بالجبل المبارك الذي كلم الله عليه موسى وهو
"طور سيناء" ذو الشجر الكثير، الحسن المبارك ، قال الخازن : سمي "سينين " و "سيناء"
لحسنه ولكونه مباركا، وكل جبل فيه أشجار معمرة يسمى سينين وسيناء
[وهذا البلد الأمين ] أي وأقسم بالبلد الأمين "مكة المكرمة" التي
يأمن فيها من دخلها على نفسه وماله ، كقوله تعالى [أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا
ويتخطف الناس من حولهم ]! ! قال الألوسي : هذه أقسام ببقاع مباركة - شريفة علي ما
ذهب إليه الكثيرون - فأما البلد فمكة المكرمة - حماها الله - بلا خلاف ، وأما طور
سينين فالجبل الذي كلم الله تعالى موسى عليه ، ويقال له -: طور سيناء، وأما التين
والزيتون فروي عن قتادة أن المراد بهما جبلان : أحدهما بدمشق ، والثاني ببيت المقدس
، وعنى بالتين والزيتون منبتيهما ، وقيل : المراد بهما الشجران المعروفان وهو قول
ابن عباس ومجاهد، والغرض من القسم بتلك الأشياء : الإبانة عن شرف البقاع المباركة،
وما ظهر فيها من الخير والبركة ببعثة الأنبياء والمرسلين . وقال ابن كثير: ذهب بعض
الأئمة إلى أن هذه محال ثلاث ، بعث الله في كل منها نبيا مرسلا من أولي العزم ،
أصحاب الشرائع الكبار، فالأول : محلة التين والزيتون وهي "بيت المقدس" التي بعث
الله فيها عيسى عليه السلام ، والثاني : طور سينين وهو "طور سيناء" الذي كلم الله
عليه موسى بن عمران ، والثالث : البلد الأمين الذي من دخله كان آمنا، وهو الذي أرسل
الله فيه محمدا(ص) وقد جاء في آخر التوراة ذكر هذه الأماكن الثلاثة (جاء الله من
طور سيناء - الجبل الذي كلم اله عليه
موسى- وأشرق من ساعير-يعني جبل بيت المقدس الذي بعث الله منه عيسى- واستعلن من جبال
فاران - يعني جبال مكة التي أرسل الله منها محمدا(ص) فذكرهم بحسب ترتيبهم بالزمان ،
وأقسم بالأشرف ثم الأشرف منه ، ثم بالأشرف منهما، وجواب القسم هو قوله
[لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم] أي لقد خلقنا جنس الإنسان ، في
أحسن شكل ، متصفا بأجمل وإلىمل الصفات ، من حسن الصورة ، وإنتصاب القامة ، وتناسب
الأعضاء ، مزينا بالعلم والفهم ، والعقل
والتمييز ، والنطق والأدب ، قال مجاهد : [أحسن تقويم ] أحسن صورة ، وأبدع خلق
[ثم رددناه أسفل سافلين ] أي ثم أنزلنا درجته إلى أسفل سافلين ،
لعدم قيامه بموجب ما خلقناه عليه ، حيث لم يشكر نعمة خلقنا له في أحسن صورة، ولم
يستعمل ما خصصناه به من المزايا في طاعتنا، فلذلك سنرده إلي أسفل سافلين وهي جهنم ،
قال مجاهد والحسن : [أسفل سافلين ] أسفل دركات النار، وقال الضحإلى : أي رددناه إلى
أرذل العمر، وهو الهرم بعد الشباب ، والضعف بعد القوة قال الألوسي : والمتبادر من
السياق الإشارة إلى حالة الكافر يوم القيامة ، وأنه يكون على أقبح صورة وأبشعها ،
بعد أن كان على أحسن صورة وأبدعها
[إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ] أي إلا المؤمنين المتقين ،
الذين جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح
[فلهم أجر غير ممنون ] أي فلهم ثواب دائم ، غير مقطوع عنهم ، وهو
الجنة دار المتقين
[فما يكذبك بعد بالدين ] الخطاب للإنسان على طريقة الإلتفات أي فما
سبب تكذيبك أايها الإنسان ، بعد هذا البيان وبعد وضوح الدلائل والبراهين ؟ فإن خلق
الإنسان من نطفة، وإيجاده في أجمل شكل ، وأبدع صورة، من أوضح الدلائل على قدرة الله
عز وجل ، على البعث والجزاء ، فما الذي يدعوك إلى التكذيب بيوم الدين بعد هذه
البراهين ؟
[أليس الله بأحكم الحاكمين ] أي أليس الله الذي خلق وأبدع ، بأعدل
العادلين ، حكما وقضاء ، وفصلا بين العباد؟ ! وفي الحديث أن النبي (ص) كان إذا
قرأها قال : (بلى وأنا على ذلك من الشاهدين .
البلاغه
:
تضمنت السورة الكريمة
وجوها من البيان والبديع نوجزها فيما يلي :
1- المجاز العقلي باطلاق الحال لارادة المحل [والتين والزيتون ]
أراد موضعهما الشام وبيت المقدس على القول الراجح .
2- الطباق بين [أحسن تقويم ] وبين [أسفل سافلين.
3- جناس الاشتقاق [أحكم الحاكمين.
4- الالتفات من الغيبة إلى الخطاب زيادة في التوبيخ والعتاب [فما
يكذبك ]؟
5- الاستفهام التقريري [أليس الله بأحكم الحاكمين
]؟
6- السجع المرصع [البلد الأمين . . أسفل سافلين . . أحكم الحاكمين ]
والله أعلم.
لطيفة
:
ذكر الامام
القرطبي أن "عيسى الهاشمي"، كان يحب زوجته حبا شديدا ، فقال لها يوما : أنت طالق
ثلاثا إن لم تكوني أحسن من القمر! ! فاحتجبت عنه وقالت : طلقتني ، فلا أحل لك ،
فحزن حزنا شديدا، وذهب إلى الخليفة "المنصور" وأخبره الخبر، فاستحضر الفقهاء
واستفتاهم ، فقال جميع من قد حضر : طلقت منه ، إلا رجلا واحدا من أصحاب أبي حنيفة ،
فقد بقى ساكنا فقال له المنصور : ما لك لا تتكلم ؟ فقال له الفقيه : يا أمير
المومنين : يقول الله تعالى [لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم] فليس شيء أحسن من
الإنسان خلقا ، وصورة ، وتقويما، فقال : صدقت ، وردها إلى زوجها